مشاعل أنارت حركة فتح القائد الشهيد .... صبحي علي أبو كرش

مشاعل أنارت حركة فتح القائد الشهيد .... صبحي علي أبو كرش
القائد الشهيد / صبحي علي أبو كرش
(أبو المنذر) عضو اللجنة المركزية

ولد صبحى أبو كرش فى مدينة غزة عام 1936م من أسرة وطنية متدينة محافظة تخاف الله وترعى حرمته، فنشأ على ذلك وكبر وهو متمسك بأخلاقه وتدينه الذى نشأ وترعرع فى ظله .
تلقى دراسته الابتدائية في مدينة غزة، وكذلك أنهى دراسته الثانوية فيها، كان ذكيًا لماحًا يميل إلى الصمت، ويحسن الاستماع، كريم النفس عف اللسان، عاش في أسرة متوسطة الحال مما جعله يفكر في العمل بعد حصوله على الثانوية العامة عام 1958م.
الاغتراب والنشاط الوطني
تعاقد مع المملكة العربية السعودية للعمل بها مدرساً، وهناك وجد الفرصة التى طالما حلم بها وهى اكمال دراسته الجامعية التى حالت ظروفه المادية سابقاً دون تحقيقها، حيث أنتسب إلى جامعة الملك سعود بكلية التجارة وحصل على بكالوريوس إدارة الأعمال، ثم عمل محاسباً في وزارة الزراعة السعودية .
يعتبر أبو المنذر من الرعيل الأول فى حركة فتح فقد انضم للحركة اثناء عمله فى السعودية عام 1963م، وساهم بجد ونشاط فى نشر مفاهيم الحركة وتوجهاتها بين صفوف الجالية الفلسطينية من العالمين بالسعودية فى مختلف المجالات بعد أن أمن بأن الطريق الى فلسطين لا يكون إلا بالكفاح المسلح الذى يجب أن يطلع به أبناء فلسطين يؤازرهم أبناء الأمة العربية والاسلامية بعيداً عن الآيديولوجيات المستوردة التى لا تناسب قضيتنا والشعارات الرنانة الزائفة التى لا تقدم أية حلول فعلية لمشاكلنا.
العمل النضالي
بعد نكسة يونيو 1967م لم تجد الجماهير العربية المكلومة أمامها سوى المقاومة الفلسطينية لتنتشلها من مهاوى الإحباط واليأس وخيبة الرجاء، فاحتضنتها بقوة، وهتفت لها ودافعت عنها أمام أنظمتها التى رضخت صاغره وعلى مضض لتمتص غضب جماهيرها ولتجعل من هذه المقاومة حصان طروادة، فى مثل هذه الظروف قرر المناضل أبو المنذر ترك عمله في المملكة العربية السعودية والتفرغ للعمل فى حركة فتح وتكريس كل جهده للنشاطات الثورية التى كلف بها سواء فى الاردن أو سوريا أو لبنان وأهم الأنشطة النضالية التي مارسها هي:
•عمل عضو في لجنة الرقابة المالية خلال عامي 69 – 1970م، وعضواً في المجلس المالي للحركة عام 1970م.
•شارك كعضو في المؤتمر الحركي الثالث الذى عقد عام 1971م، كما عمل مسئولاً للمالية فى إقليم لبنان عام 1971م.
•عمل مسئولاً للجنة غزة فى القطاع الغربى مع القائد/ أبو جهاد، ومع رفيق نضاله وتوأمه فى مهمته الثورية ناهض الريس "أبو منذر"، وكانت مهمتهما شاقة وعسيرة فهما مسئولان عن المناضلين العاملين معهما في والأرض المحتلة وفى الخارج من حيث تأمين متطلبات الكفاح المسلح وتنقلات المناضلين واحتجاجات أسرهم لا سيما فى حالتى الاعتقال أو الأستشهاد .
•أصبح عضواً في قيادة الجهاز الغربي الذى تسلمه القائد/ كمال عدوان، وكلف بالإدارة والمالية فى الجهاز وكان مثلاً للدقة والأمانة في تحمل المسئولية.
•حضر المؤتمر العام الرابع للحركة فى دمشق عام 1980م وانتخب من قبله عضواً في المجلس الثوري.
•كما شارك فى المؤتمر العام الخامس للحركة المنعقد فى تونس عام 1989م بفاعلية وجد ونشاط، وتم انتخابه عضواً فى اللجنة المركزية لحركة فتح، وفى عام 1990م تولى مهام سفير دولة فلسطين فى المملكة العربية السعودية.
•عين أيضاً مندوب دائم لفلسطين لدى منظمة المؤتمر الإسلامى كما أصبح عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني والمجلس المركزي.
صفاته ومميزاته الشخصية
لقد كان أبو المنذر حقاً رجل مبادئ والتزام وانضباط كان رجلاً صلباً عنيداً ومستقيماً إلى جانب الحق وفى مواجهة الظلم والظالمين فى أى موقع كان، لم تكن تغريه المناصب فكلها عنده مواقع للنضال .
ومن هنا فقد أكتسب محبة الكوادر الحركية وكل من عرفه من الناس ونال تأيدهم وحظى بثقتهم فهو لا يعمل من أجل البروز والمظاهر البراقة وإنما في سبيل المهمة الموكلة إليه .
كان أبو المنذر دمث الأخلاق صريحاً مباشراً في طرحة للأمور بحياديه تامة كانت هذه طريقته فى النقاش مع كل الكوادر صغيرة أو كبيرة أو متوسطة .
كان رحمه الله فريداً فى مميزاته التى تنم عن الصدق والتعامل بالأخلاق الحميدة في كل شيء، فلا يداهن ولا يساوم فكل شئ لديه مبدئى ويجب التعاطى معه بمبدئية والاستناد إلى المبادئ في كل الحلول المطروحة للمشاكل في العمل النضالي، وقد تسببت له هذه الصفات الحميدة بمتاعب كثيرة فى مسيرته النضالية الطويلة.

من أقوال الأخرين عنه
محمد بن ناصر الأسمرى – الرياض
عرفت أبو المنذر منذ أكثر من ربع قرن زميلاً لنا في وزارة الزراعة كنت آنذاك موظفاً صغيراً مبتدءاً، وهو رجلاً ضليعاً فى المحاسبة وطالباً منتسباً لجامعة الرياض، كان رحمه الله أمنياً فى عمله وعلى درجة عالية من الخلق الرفيع، ومواظباً على دراسته، وفياً لأسرته، وأسير فى حب وطنه مندفعاً في الدفاع، عنه تخرج الرجل من الجامعة ودخلتها بعده مستفيداً من نصحه معجباً بسلوكياته منبهراً بقوة وشدة حماسه من أجل تحرير فلسطين.
بدأنا صبحى أبو كرش وأنا بعد هزيمة 1967م التى حفرت فى القلوب والذاكره جرحاً عميقاً مع مجموعة كبيرة من أبناء فلسطين والأمة العربية في العمل مع مشروع المملكة السعودية الذى تبناه الملك فيصل رحمه الله، وباشر فى تنفيذه بقوة والى جانبه يعينه أمير الرياض/ سلمان بن عبد العزيز وهو المشروع الراشد (ادفع ريالاً تنقذ عربياً) وهو رد على المشروع الصهيونى فى أمريكا والذى يقول (أدفع دولاراً تقتل عربياً)، وحملنا صناديق التبرع إلى الأسواق والمدارس ومبانى الوزارات لجمع المال من العاملين فيها.
وذات يوم فى أوائل السبعينات فؤجئت بالرجل الرزين يضمنى إلى صدره ويعانقنى ويقبلنى والدموع تنهمر من عينه وقال: "أودعك يا أبا مازن لقد قررت الرحيل للمشاركة فى الجهاد، لم أعد أحتمل هذا الذل وهذا الهوان أريد أن تكتب لى الشهادة على تراب فلسطين"، لقد المني وأبكاني فراقه لكن تحقيق الهدف والغاية الذين يصبوا إليهما أراحني وأرضاني, إنني أبكي صبحى أبو كرش أخاً وصديقاً وزميلاً له من الشوق مكاناً علياً، أبكيه زاهداً تقياً ورعاً، أبكيه مثالاً لعزة العربي وشموخه، والدعاء إلى الله جل وعلا أن يرحم السفير المناضل/ أبو المنذر، رحمة الأبرار وأن يجزيه عن جهاده خير الجزاء ( وأنا لله وأنا إليه راجعون ).
استشهاد القائد/ صبحى أبو كرش
تعرض هذا القائد عبر مسيرته النضالية لأكثر من محاولة أغتيال كانت أحداها فى بيروت عندما دخل عليه شاب فى محل أقامته فاستقبله بترحاب وقدم له الضيافة المتوافره لديه ثم سأل ضيفه عن طلبه فما كان من الضيف الإ أن بكى وأخرج من طيات ملابسه مسدساً وقدمه للأخ أبو المنذر قائلاً: "أنني مكلف بقتلك وأنا قدمت إليك لتنفيذ المهمة ولكنى عندما قابلتك ولمست سمو أخلاقك تراجعت وندمت فسامحني وأغفر لي، ولسوف أكون لك نعم الأخ بل والخادم الأمين"، فربت القائد على كتفه وعفا عنه.
وعندما ظهر اتفاق أوسلو أيده لأنه من وجهة نظره سوف يتيح له ولغيره العودة إلى أرض الوطن ليواصل النضال داخل الوطن، وهو الهدف الوطني سيما وأن العمل الثوري قد حوصر على الجبهات كافة وصولجان المقاومة قد إنتكس بعد الرحيل المرعن للبنان، ومن هنا كانت رغبته فى الدخول إلى الأرض التي اشتاق لها واشتاقت هي له إلا أن المرض اللعين تسلل إليه رويداً رويدًا، ولما شعر بدنو الأجل أوصى بدفنه في مقبرة البقيع بالمدينة المنورة إلى جانب الصديقين والشهداء، وفاضت روحه الطاهرة في الأول من إبريل عام 1993م وورى جثمانه فى مقابر البقيع كما أوصى.
وهكذا شاء القدر أن يسبح فى الأرض لحوالى أربعة عقود ثم يموت شريداً غريباً دون أن يتحقق حلمه فى العودة إلى وطنه ومواصلة نضاله على أرضها.
رحم الله القائد الشهيد/ أبو المنذر والشهداء السابقين منهم واللاحقين .
نعي فتح للقائد أبو المنذر
نعت حركة فتح إلى جماهير شعبنا الفلسطينى وأمتنا العربية والإسلامية القائد الشهيد الرمز/ صبحى أبو كرش (أبو المنذر) عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، عضو المجلس المركزي الفلسطيني، سفير دولة فلسطين فى المملكة العربية السعودية الذى انتقل إلى جوار ربه بعد صراع طويل مع المرض حيث كان يعالج في المستشفى العسكري بالرياض.
إن عطاءات الشهيد البطل الذى وهب حياته فى خدمة شعبه وقضيته العادلة ونضاله المشروع أمتدت منذ أنطلاقه الرصاصة الاولى لحركة فتح، حيث تنقل الشهيد البطل فى عدد من مواقع الثورة والنضال وكان مثال الفلسطينى المناضل فى الانضباط والعطاء بلا حدود.
لقد تميزت المسيرة النضالية للقائد الشهيد بالتجذر في أرض الثورة وبالتفتح في أفاقها الرحبة بعطاء زاخر واستعداد دائم للتضحية وإيمان راسخ مجتميه النضر .
إن حركة فتح تعاهد الشهيد القائد البطل وكل الشهداء الأبرار على المضى قدماً فى طريق الثورة التى وهب الشهيد حياته من أجل استمرارها لتحقيق أهداف شعبنا العادلة فى إقامة دولته المستقلة على أرض فلسطين وعاصمتها القدس الشريف .
كان القائد الرجل والإنسان أبو المنذر مثلاً يحتذى به خلقاً وتديناً ووطنية كان استاذاً فى فن التضحية والعطاء والتفانى فى حب الوطن كان يتمثل في قول الشاعر:
قف دون رأيك فى الحياة مجاهداً إن الحياة عقيدة وجهاد
لقد باع هذا المجاهد ماله ونفسه لربه طالباً لرضائه وطمعاً فى جنته
فإلى جنه الخلد يا أبا المنذر