السعودية تبعث برسائل قوية للشركات الغربية عبر "قطار الحرمين"

تلقت الشركة الفرنسية المعروفة "ألستوم" ضربة قاسية من قبل الرياض بعد أن استثنتها هذه الأخيرة من صفقة تهم مشروع القطار الفائق السرعة، الذي سيربط بين مكة والمدينة، ومن المنتظر أن يعطي دفعة قوية للنقل في الأراضي المقدسة خصوصا خلال موسم الحج.



وعللت أوساط مختلفة أن استثناء الشركة الفرنسية العملاقة من هذا المشروع راجع لمساهمتها في المشروع الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية والمتمثل في إنشاء خط "للتراموي" يربط بين القدس ومستوطنتين إسرائيليتين في الضفة الغربية.



ومساهمة هذه الشركة في المشروع المذكور جر عليها العديد من الانتقادات، بل أن جمعيات ومنظمات أوروبية تنشط لفائدة الشعب الفلسطيني دعت في حملة موسعة، أطلقت عليها اسم "الكرامة" إلى مقاطعة هذه الشركة عربيا وحتى أوروبيا.



وبسبب ذلك، أدت "ألستوم" الثمن غاليا، بفقدانها للصفقة السعودية، والتي قدرت قيمتها ب 10 مليار دولار، حيث عادت إلى شراكة إسبانية سعودية، إلا أن هذه الشركة الفرنسية، المختصة في قطاعي النقل والطاقة، تربط عدم ظفرها بالصفقة المذكورة باعتبارات اقتصادية لا أقل ولا أكثر.



وكان السفير السعودي في القاهرة واضحا في بيان له نشرته عدد من الصحف العربية، أكد فيه أن إبعاد الشركة الفرنسية من الصفقة جاء على خلفية دورها في "مشروع الاحتلال الإسرائيلي"، حيث أفاد في ذات البيان أن "السعودية دعت شركتين فرنسيتين إلى الانسحاب الفوري منه...".



وسبق لهذه الشركة أن حصلت على صفقة ضمن الشطر الأول من ذات المشروع، إلا أنه لم يعد مرحبا بها من قبل السلطات السعودية، بحسب ما فهم من رد للدبلوماسية السعودية في القاهرة، والتي عقبت في بيان لها على ما نشرته صحيفة مصرية بهذا الشأن، حيث اتهمت المملكة بالمساهمة في "تهويد القدس" إلى جانب الشركة المذكورة.



ضغط أوروبي وترحيب عربي



وكانت شركة فرنسية ثانية، وهي شركة "فيوليا"، حاضرة إلى جانب "ألستوم" في المشروع الإسرائيلي إلا أنها انسحبت منه سنة 2009، بسبب ضغوطات المجتمع المدني الأوروبي، فيما احتفظت "ألستوم" بموقعها فيه، والذي ظلت تدافع عنه إلى اليوم.



وتنظر شركة ألستوم إلى هذه القضية بعين أخرى، فهي تعتبر نفسها غير معنية بالصراعات السياسية، وهي موجودة من أجل الصفقات في الاختصاصات التي تهمها فقط، وتنفي إن كان لإسهامها في الصفقة الإسرائيلية، كما يزعم منتقدوها، أثرا على أعمالها في البلدان العربية.



وتتواجد الشركتان الفرنسيتان بعدد من البلدان العربية، (مصر،الإمارات العربية، الكويت، العراق والمغرب)، لكنها تضررت كثيراً من الحملة التي شنت عليها في هذا الخصوص أوروبيا، كما حدث لفيوليا التي تعترف بفقدانها لصفقات كثيرة في كل من السويد، بريطانيا وإيرلندا، بسبب هذه القضية.



وكانت قمة عربية انعقدت في الخرطوم أدانت بشدة المشروع الإسرائيلي، وطالبت الشركات المساهمة فيه بالانسحاب لخرقه للقوانين الدولية، وهو ما أدى بمجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة بدوره إلى إدانته بشدة، فيما اعتبرته منظمات إنسانية أنه وسيلة لخلق "أبارتهايد" جديد بالمنطقة بمنع ألف 30 فلسطيني، يتمركزون في محيطه، من ركوبه.



كريم أملال: الإشارات السياسية للشركات الكبرى



حول هذا القرار السعودي، يعلق الباحث و المحلل السياسي كريم أملال، قائلاً: "لم أتفاجأ له"، مفسرا بكون الغاية الأول منه "هي اقتصادية: العرض الإسباني كان أقل ب 30 بالمائة من نظيره الفرنسي ومن أجل نفس المستوى في الجودة"



و يضيف أملال ، "ربما سبب سياسي لأن السعوديين غير مرتاحين للطريقة التي يتعامل بها مع المسلمين في فرنسا. ففي الإمارات العربية كما في السعودية حرمان شركات فرنسية من صفقات ضخمة هي طريقة بالنسبة لهما لتمرير رسائل بطريقة غير مباشرة".

ويرى محدثنا أنه على "على هذه الشركات الغربية الكبرى أن تأخذ بعين الاعتبار القضايا الكبرى للشعوب قبل أن تعقد صفقاتها"، وإن كان يعتبرها "وجهة نظر ساذجة".



لكن "يبدو له أنه بالنظر لقوة اقتصاديات بعض دول الجنوب الناشئة وشركاتها، التي أصبحت تعادل قوة الشركات الغربية، على الشركات الأوروبية أن تولي مزيدا من الانتباه للسياقات المحلية، رهانات التنمية، ومصير الشعوب، لأن هذه الدول يغريها العودة إلى شركات البلدان الناشئة القريبة منها، وإن كانت هي بدورها ليست أكثر أخلاقا من نظيرتها الغربية"، يقول أملال.



ويعتبر هذا الباحث السياسي "الإجراء السعودي إشارة قوية إلى الشركات الأخرى الكبرى التي تريد أن تشتغل إلى جانب المملكة السعودية، بأن تتخذ بعين الاعتبار القضايا الكبرى التي تنخرط فيها"، كالقضية الفلسطينية، و"إن كان لا يجب إهمال كون العرض الإسباني كان، وبكل بساطة، الأحسن والأقل ثمنا من نظيره الفرنسي"، يخلص كريم أملال.