يقول أبو الريحان البيروني في كتابه الآنف الذكر: " وأما النصارى في الشام والعراق وخراسان فقد مزجوا بين شهور الروم وشهور اليهود وجعلوا سنتهم من أول شهر طمبريوس الشهر الرومي ( تشرين الأول ) ليكون أقرب إلى رأس سنة اليهود يتقدمه قليلاً وسموها بأسماء سريانية وافقوا في بعضها اليهود وباينوهم في بعضها.
وإن أهل سورستان أي بلاد الشام هم الذين أوجدوا هذه الأسماء, ويتابع فيقول: " وقد اشتهرت هذه الشهور حتى استظهر بها المسلمون, وقيدوا بها ما احتاجوا إليه من أوقات أعمال... ".
ويذكر أن أسماء هذه الأشهر, وإن كانت سريانية, فإنها موغلة في القدم, إذ إن السريان أنفسهم قد اقتبسوها عن البابليين مثلما اقتبسوا منهم المقاييس والمكاييل والطقوس الدينية والزراعية, حيث إن أسماءها في اللغتين متماثلة في تسعة أشهر باستثناء كانون الأول وكانون الثاني وحزيران وهذا عرض لمعاني هذه الأسماء:
- كانون الثاني ( 31 يوماً ):
الكانونان شهران في قلب الشتاء بين تشرين الثاني وشباط, والكانون بالعربية تعني الموقد والمصطلى, ومثله الكانونة جمع كوانين, والكانون هو الرجل الثقيل يستتر منه, أو من يجلس لاستطلاع الأخبار والأحاديث, وقد سماها العرب شهري قماح, والقماح داء يصيب الحيوان فيمتنع عن الشرب, والشرب يقل في الشتاء ويقول الأستاذ أنيس فريحة: " كانون مشتق من فعل كن ومعناه الثبوت والاستقرار ", لأن الناس فيه ينقطعون عن أعمالهم ويكنون في منازلهم, وثمة جذر بالسريانية بمعنى الأساس والقاعدة اشتقت منه كلمة الأثفية بالعربية وهي أحجار الموقد.
ـ شباط ( 28 أو 29 يوماً ):
مشتق من الجذر السرياني ( شبط ) الذي يفيد الضرب والجلد بالسوط أو يفيد الهبوب الشديد للرياح, وردت اللفظة في النقوش البابلية ( شاباطو ) وخصصه البابليون للإله رمان إله العواصف والزوابع, وأخذه العبرانيون عن البابليين, وهو في الأساطير عدو العجائز, إذ يستقرض بعض أيام من آذار, لكي تطور أيام العواصف والثلوج فيثقل على المسنين.
- آذار ( 31 يوماً ):
يرجح أنها لفظة بابلية هي ( آدارو ) بمعنى الظلمة والعتمة, وفي السريانية آذار يعني النور واللمعان لأنه أول الربيع, وكان القدماء يخصونه بالخير والبركة لكثرة أمطاره وسيوله, والكلمة مشتقة من الجذر ( هدر ) لما فيه من برق ورعد هادر وتقول العامة: آذار الهدار.
- نيسان ( 30 يوماً ):
تسمية بابلية تعني البدء والتحرك وذلك لاستهلال السنة الدينية المقدسة عندهم في 21 منه إذ هو الاعتدال الربيعي, ويعني بالسريانية العشب والخضرة.
- أيار ( 31 يوماً ):
لفظة سريانية ذات أصل بابلي تعني التفتح والنور ويسمى أيضاً نوار من النور لأنه يمثل الربيع, ويقال: " نيسان يأتي بالأمطار وأيار يأتي بالأزهار ", أما بالعربية فأيار تعني الهواء الحار أو ريح الشمال.
- حزيران ( 30 يوماً ):
لفظ سرياني يعني الحنطة أو الحصاد أو السنابل وسمي بذلك لوقوع الحصاد فيه.
- تموز ( 31 يوماً ):
لفظ سرياني من أصل بابلي- سومري ( دوزي ) أو ( دوموزي ) بمعنى ابن الحياة أو الابن البار وهو اسم الإله الذي يبعث حياً بعد الموت عند السومريين, والإله تموز هو زوج ( عشتروت ) آلهة الخصوبة والأمومة ورمز الحب والطبيعة في فينيقية ( جبيل ).
- آب ( 31 يوماً ):
قيل أن أصل التسمية بابلية ( آبو ) بمعنى الفاكهة والنبت والكلأ, ولفظة ( آب ) تعني بالسريانية الغلال والمواسم والثمر الناضج, ودعي كذلك ( أب اللهاب ) لشدة حره, وأما بالعربية فلفظه ( أب ) وتعني الزرع والعشب.
- أيلول ( 30 يوماً ):
أصل التسمية بابلي, وورد في السريانية بمعنى العويل, وجذوره في العربية ( ول ) أي صرخ وأعول, وذلك لأن المناحات على تموز كانت تقام فيه, وكان مخصصاً لعشتروت.
ـ تشرين الأول ( 31 يوماً ) وتشرين الثاني ( 30 يوماً ):
أصل التسمية بابلي ( تشرينو ) وفي السريانية ( تشري أو تشري أو تشراي ), وفي العربية ترد اللفظة إلى الجذر ( شرع ) أو بدأ, وسبب ذلك أن تشرين الأول كان أول شهور السنة السريانية ويبدأ فيه بالحرث والزرع قبل مجيء الشتاء.
- كانون الأول ( 31 يوماً ):
ورد ذكره فيما سبق.
- إن هذه الأسماء الاثنتي عشرة العربية هي الجاري استخدامها منذ القديم وحتى الآن دون انقطاع في بلاد الشام والعراق ولكن بعض البلدان العربية قد تخلت عنها, وفي وقت بعيد أو قريب واستعملت بدلا منها الأسماء المنقولة عن اللغتين الإنجليزية أو الفرنسية وكلتا هاتين اللغتين تستقيان من اللغة اللاتينية.